Sunday, September 9, 2007

جمال سلطان يكتب عن " قضية صحيفة "الدستور"



لا أتفق في جوانب كثيرة مع صحيفة الدستور وأسلوبها والقضايا التي تطرحها أحيانا بلغة شديدة العنف وبالغة السخونة ، ولكنها في النهاية وجهة نظر خاصة تدرك أن هذا الأسلوب ينتمي لمدرسة عريقة في الصحافة المصرية كان من أبرز تجلياتها صحيفة أخبار اليوم في بعض مراحلها ، كما لا يستهويني التعامل مع الصحافة بمنطق "الشات" ومنتديات الإنترنت ، ولكني بالمقابل لا أفهم سببا واحدا معقولا أو منطقيا للغارة على صحيفة الدستور بسبب ما قيل أنه ترويج إشاعات عن صحة الرئيس ، والبلاغ الذي تقدم به ضابط في مباحث أمن الدولة ضد الصحيفة لترويجها الشائعات ، وفي العادة تكون الشكوى من جهة أهلية أو من مواطنين ، تحقق فيها الشرطة ثم تعرض على جهات التحقيق ، ولكن يبدو أن أحدا لم يشتكي فاضطرت الدولة إلى تحريك بعض أجهزتها لتبني الشكوى مباشرة ، وهي حالة فريدة نوعا ما في قضايا النشر والصحافة ، المهم أني توقفت طويلا أمام أقوال الضابط ـ صاحب البلاغ ـ والمنشورة أمس ، وخاصة قوله (ان هذه الشائعة التي نشرتها جريدة الدستور اثارت الفزع والقلق في أوساط المواطنين وان هذه الشائعة ضارة بالمصلحة العامة للبلاد سياسيا وأمنيا واقتصاديا) ، وهذا الكلام هو من النوع الذي كنا نسميه قديما "كلام إنشا" أي أنه كلام عام مرسل وفضفاض لم يقم عليه أي دليل ، ويمكن أن "يلبسه" أي أحد في أي وقت وبأي طريقة ، فكيف عرف صاحب البلاغ أن ما نشرته الدستور أثارت الفزع ، وهل هذه وجهة نظره أم استبيان علمي قام به مثلا وأثبت هذا "الفزع" ، ثم حكاية "القلق" هل القلق أصبح تهمة ، هل من الجريمة أن يقلق المصريون على صحة رئيسهم ويريدون التأكد من سلامته وعافيته وقدرته على إدارة شؤون الدولة بشكل سليم ، خاصة بعد وقائع سابقة معلنة عن بعض المتاعب أو المتابعات الطبية في الخارج بما يعني أن الأذهان مؤهلة لتوقع مثل هذه المتاعب ، ثم موضوع أن هذه الشائعة ضارة بالمصلحة العامة سياسيا وأمنيا واقتصاديا ، أفهم أن يكون كلامه عن الناحية الأمنية محتملا ، ولكن لا أعتقد أن الشأن السياسي أو الاقتصادي يدخل في اختصاصاته بحيث يكون سيادة العقيد هو مرجعية التقدير في الصالح فيه والضار لمصر سياسيا واقتصاديا ، خلاصة الكلام أن هذه المذكرة من باب "التحرش" الأمني أو السياسي بالصحيفة ولا يمكن أن تكون مذكرة اتهام بجريمة منضبطة أو يمكن أن يقوم عليها دليل ، ثم إن الكتابة عن المتاعب الصحية للرئيس مبارك وما تناولته الدستور نشر على نطاق واسع من قبل ومن بعد في صحف أخرى ، بل إن الذي فجر هذه "الشائعة" ابتداءا هي صحيفة أخرى غير الدستور ، ثم دخل على الخط الدستور وأكثر من صحيفة حزبية وخاصة أخرى ، وهو ما يعني أن مذكرة مباحث أمن الدولة تنطبق عليهم تمام الانطباق ، بأنهم نشروا شائعات ( اثارت الفزع والقلق في أوساط المواطنين وان هذه الشائعة ضارة بالمصلحة العامة للبلاد سياسيا وأمنيا واقتصاديا) ، فلماذا وقف الاتهام والتحقيق عند الدستور وحدها ، ألا يفهم من هذا أن الأمر محض "تحرش" بالدستور ، مرة أخرى أؤكد على أني لا أتفق أبدا مع الطريقة التي تناولت بها الدستور صحة الرئيس مبارك ، ولكني أتمنى أن يتم احتواء هذه القضية وحفظها ، لأنها تضر ولا تنفع ، وتسيئ إلى أوضاع الصحافة في مصر ، وتمثل انتكاسة حقيقية للحريات ، وتسيئ إلى الرئيس مبارك نفسه ، الذي أكد دائما على أنه في عهده لن يقصف قلم أو تغلق صحيفة ، وفي هذه الحالة تحديدا سيفهم الناس أن أي قرار فيها هو قراره المباشر ، لأن الواقعة تمسه هو شخصيا .
gamal@almesyoon.com


No comments: