Saturday, September 15, 2007

بعد الحكم بحبسه سنة مع الشغل ... عبد الحليم قنديل يكتب : "فى صحتك" يامبارك



انه أمر اعتقال ، وليس حكما قضائيا لا في المبنى ولا في المعنى.
بدا القاضي الشاب – كما تنطق الصور – مهتما بكريمات الشعر بأكثر من اهتمامه بنصوص القانون وملف الدعوى ودفوع المتهمين (!).
بدا القاضي – أغلب الوقت – مغمض العينين ، وكأنه يقرأ وحيا يتلى ، ويتحدث عن الحزب الوطني كأنه صنم يعبد ، وعن الرئيس مبارك كأنه اله أو نصف اله ، أو كأنه النبي العدنان ، أو سيدنا الحسين أو السيدة زينب أو السيد البدوي (!).

بدا القاضي – المحايد جدا – كأنه عضو متحمس في الحزب الوطني ، فقد انتهى في حيثياته إلى أن عبارات الزملاء عادل حمودة وإبراهيم عيسى ووائل الابراشى وكاتب السطور " تجهض الروح الوطنية للمدعين بالحق المدني ، وباقي أعضاء الحزب الوطني ، وتفقدهم الثقة في القيادة الحزبية المتمثلة في رموز الحزب الوطني الحاكم، وهو أمر يترتب عليه كثير من الأضرار في خفض الحماس العام والدافع الوطني والانتماء للحزب الوطني الذي يرأسه رئيس الدولة بما يستتبع بالضرورة فقد الانتماء للدولة والدفاع عن كيانها في جميع المجالات" ، … بالله ، إلى هذا الحد كان القاضي حريصا على استيفاء شروط العضوية بالحزب الوطني، إلى هذا الحد بدا القاضي كأنه لا يسمع ولا يرى، وكأنه لم يقرأ حرفا من ادانات القضاء – الذي يستحق الصفة – لحزب السرقات العامة والعبارات الغارقة والقطارات المحترقة وأكياس الدم الفاسدة ، وبدا مشغولا – فقط – بتدبيج موضوع إنشاء مدرسي ساذج في مديح الباب العالي وحزب أغوات السلطان ، والدفاع عن كيانه الذي هو – هكذا (!) – كيان الدولة (!) ، والتطوع إلى النطق باسمه، وباسم رموزه الذين هم عناوين ساطعة للروح الوطنية (!) ، وإيقاع العقاب الباطش بأعداء مصر التي بناها في الأصل "حلواني" كان عضوا بالحزب الوطني (!) .

خلط القاضي – الجليل طبعا (!) – بين القانون وعصا عسكري الأمن المركزي ، وجعل القصة كلها عسرا لا يسر فيه ، وجمع العقوبات كلها في حدودها القصوى ، وقذفها بالجملة فدى وجوه المتهمين الأربعة الذين هم – ويا للعار (!) – ليسوا أعضاء بالحزب الوطني،ولا يقدسون رموزه ، ولا يتدافعون إلى بيوت الطاعات ، ولا يسارعون إلى الفرائض ، ولا يؤدون النوافل وصلاة التراويح ، ولا يقرأون الأوراد في حضرة القطب الصوفي الأعظم حسنى مبارك (!)، لابد أن هؤلاء استحقوا – في ضمير السيد القاضي – أن يحرقوا في النار ، لكنه تحير إذ لم يجد نصا في قانون العقوبات عن أسرع طرق الذهاب إلى نار جهنم ، فهذه أسرار مقدسة يحتفظ بها الرئيس مبارك بنفسه ولنفسه ، ولا يسر بها لأحد من قضاته ، ولم يجد القاضي المعذور من حل سوى الأخذ بما اتصل به علمه ، وقرر لنا الحبس سنه والغرامة ثلاثا ، مرة بالغرامة ومرة بالكفالة وثالثة بالغرامة على سبيل التعويض الموقوت ، ولا خيرة لنا فيما اختار ، والحمد لله – على كل حال – أنه لم يضف إلى حسابنا حساب سيادته عند البقال ، ولا أحال أوراقنا إلى فضيلة المفتى ، والا كان فضيلة المفتى – المعين من جلالة الرئيس – قد أوقع فينا حد الحرابة وقطع أيدينا وأرجلنا من خلاف (!).


على أن القاضي – الجليل طبعا – كان اشتراكيا على ما يبدو في عقابه الباطش ، واتبع مبدأ العقوبة الموحدة على طريقة الأجرة الموحدة في أوتوبيسات النقل العام ، فقد جرى اتهامي في الدعوى العبثية بالإساءة للرئيس مبارك ، واتهام الزميل إبراهيم عيسى بالإساءة للنجل جمال مبارك ، واتهام الزميل عادل حمودة بالإساءة لرئيس الوزراء أحمد نظيف ، واتهام الزميل وائل الابراشى بالإساءة للواء حبيب العادلى وزير الداخلية ، وعوقبنا – بالتساوي – بالحبس سنة والغرامة ثلاثا ، وكأن رأس جلالة الرئيس تساوى رأس سيادة اللواء ، ورأس الوريث كرأس "نظيف " ، فقد ثبت – في لحظة الجد – أن وجوه الحزب الوطني تماما كمؤخراته ، وأن أصنام الحزب الوطني "ساسها " كرأسها ، وثبت – على طريقة الهندوس – أن الأبقار كلها مقدسة ، وأحسب أنني كنت الرابح في القصة كلها ، فقد ارتكبت "الجريمة" الأكبر بالسعر الموحد نفسه ، انتقدت الرئيس مبارك بعنف في مقالي المتهم بعنوان "اطردوا العائلة من قصر الرئاسة"، وكان نصيبي كما الآخرين – وبالتساوي – مجرد سنة حبسا ، وغرامة فادحة لن أدفعها لأنني لا أملكها (!).


أيها القاضي .. لا ألومك ، فلست أنت الذي عاقب بل سيادة الرئيس ، ولست أنت الذي أمر باعتقال بل سيادة اللواء ، لست صانعا للحوادث ، حتى وان أصدرت الأحكام وحملت الأختام ، أنت مجرد شخص تواجد بصدفة الوظيفة على مسرح الحوادث ، أنت لم تقصد أن تنتقم منا ولا أن تشرب دمنا ، فنحن لا نعرفك ، ولن نتذكرك ، أنت الشخص العابر في الزمان العابر ، وأنت لم تقصد سوى أن تقدم نخبا للرئيس الذي تغضب زوجته كلما تحدث أحد عن مرضه ، أنت لم تقصد – بعقابنا – سوى أن تقول لجلالته "في صحتك".. يا مبارك. (!).

No comments: