Sunday, June 17, 2007

هل انتهى شهر العسل بين البابا والنظام !




هل ينتهي شهر العسل بين الكنيسة والدولة؟!

آلاء حمزه - الاسبوع


تبدو قيادة الكنيسة المصرية علي مفترق طرق، في ظل التحول الذي لحق بلهجة البابا شنودة الثالث ­بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية­ علي مدار الفترة التي أعقبت أحداث قرية 'بمها' بالعياط، ثم أحداث الإسكندرية الأخيرة، ليس فقط عبر العظات الأسبوعية للبابا، لكن لما تضمنته التوصية شديدة اللهجة التيأرسلها للرئيس مبارك عقب الاجتماع الماضي للمجمع المقدس، فإن هذه التوصية لم تنل حقها من التعليق، نتيجة التعتيم الاعلامي علي ما ورد فيها.

وفي حين تعامل المراقبون السياسيون بوجهات نظر متباينة مع هذه التطورات التي لحقت بلهجة البابا، وبخطابه السياسي والديني، إلا أنهم اتفقوا ­جميعا­علي أن هناك قواسم مشتركة، ودوافع متعددة وراء هذا التحول النسبي في لغة خطابه.وفي توصيته للرئيس، طالب البابا برفع الظلم الواقع علي الأقباط، وتفعيل مواد الدستور الخاصة بالمواطنة، وإعادة النظر في الحكم الصادر بعدم أحقية القبطي الذي أسلم بالعودة إلي المسيحية، وطالب مؤسسات الدولة بتحمل مسئولياتها، لاسيما الأجهزة الأمنية المعنية بمنع الجريمة قبل وقوعها، خصوصا أن مشكلة العياط ­علي حد قول البابا­ كانت معروفة منذ شهور، دون أن يتخذ الأمن التدابير اللازمة لمنع تصعيد الموقف.وأعاد المراقبون هذا التحول في لهجة البابا المعروف بمواقفه المتسامحة والداعمة للوحدة الوطنية إلي العديد من المؤثرات الداخلية والخارجية، تتصدرها بالطبع المزايدات التي أبدتها المنظمات المشبوهة والممولة ممن يزعمون الحديث باسم أقباط المهجر في الغرب، تحديدا في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.

ورغم القلة العددية للمسئولين عن هذه المنظمات ومحدودية الأسماء التي تزعم النضال في هذا الشأن (موريس صادق­ مايكل منير­ نادر فوزي.......) إلا أن الدعاية المسلطة عليهم ساهمت في تسويق مزاعمهم شبه اليومية، التي تشير إلي أن الأقباط المصريين يتعرضون لانتهاكات علي صعيد الحقوق والحرية الدينية، كما يتعرضون للاستهداف من الأغلبية المسلمة والمؤسسات الرسمية المصرية، عبر التشريعات والقوانين التمييزية التي تمنع بناء أو ترميم الكنائس إلي غض الشرطة الطرف عن جرائم الكراهية ضد الأقباط مثل الهجمات البدنية علي متاجر المسيحيين وبيوتهم وكنائسهم وأبناء إيبراشياتهم!!وجددت تلك المنظمات المشبوهة المطالبة بتعديل التشريعات المتعلقة ببناء وإصلاح الكنائس، واستعادة أراضي الأوقاف المسيحية، وحرية العقيدة وتغيير الديانة، ورفع خانة الديانة من البطاقات الشخصية، ومراجعة وتعديل المناهج الدراسية الإسلامية، وإنهاء التمييز ضدهم في التعيين وفي الوظائف العامة ومطالبة الكونجرس الأمريكي بالضغط علي النظام المصري حتي يعمل علي إعداد دستور علماني، ويتبني سياسات نشطة لتحسين الحقوق المدنية والتمثيل السياسي للأقلية القبطية، والعودة إلي سياسة تخصيص نسبة معينة في المجالس المنتخبة لهم!وفي مواجهة هذه الضغوط، اتجهت قيادة الكنيسة المصرية ممثلة في البابا شنودة، لاتخاذ موقف وسطي يتوافق مع تسامحه الدائم، ويوقف مزايدات المنظمات الممولة في الخارج وهي المزايدات التي وجدت من يدعمها في الداخل الكنسي، لاسيما منذ قضية 'وفاء قسطنطين' قبل عامين، التي أسست لمرحلة من الاحتقان غابت فيها الحنكة السياسية عن المشهد الوطني، وبدا التصعيد سيد الموقف، واستمرت عمليات التصعيد بعد 'سي دي' الإسكندرية، والأحداث الأخيرة (العياط­ عبد القادر بحري ­ثم الدخيلة).

وبحسب المراقبين فقد وجدت الكنيسة المصرية نفسها مقحمة في أتون العمل السياسي، ولم تلبث أن شهدت مواقفها نوعا من الارتباك بعد أن وقعت بين المطرقة والسندان، فهي من ناحية مطالبة أساسا بدور روحي­ديني، في حين أن منظمات أقباط المهجر يدفعون بها عبر التحريض والحملات الإعلامية الدولية إلي معترك العمل السياسي، رافضين المواقف المتسامحة للبابا شنودة، وحديثه المتواصل عن الوحدة الوطنية، وأن جميع مواقف البابا تسهم في ضياع حقوق الأقباط، وتتبني هذا القصف الإعلامي المكثف منظمات (الاتحاد القبطي الأمريكي) التي يتزعمها المحامي موريس صادق في ولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك فعل مايكل منير (منظمة أقباط الولايات المتحدة) ونادر فوزي (منظمة مسيحيي الشرق الأوسط) التي تتخذ من العاصمة الكندية أوتاوا مقرا لها.وفي حين أعلن البابا مرارا وتكرارا ­وكذلك قيادات كنسية­ رفضه للتحركات المشبوهة التي تبديها المنظمات القبطية الممولة في الخارج (أفريقيا وأوربا وأمريكا وأستراليا) واستغلالهم للملف القبطي لتحقيق مصالح سياسية، إلا أن بعض المراقبين جمع بين مطالب هذه المنظمات والتحول الذي لحق بلهجة البابا شنودة، منذ الاجتماع الشهري الأخير للمجمع المقدس الذي يضم في عضويته كبار الأساقفة والمطارنة، برئاسة البابا شنودة، الذي وجد نفسه مطالبا باتخاذ موقف امتصاصي بعدما بدت أصوات تعدد الخسائر المادية والمعنوية والبدنية التي لحقت بالأقباط، وأنها تهدد بعودة أحداث طائفية سابقة وقعت (الخانك­ الدير المحروق­ سمالوط­ الإسكندرية­ كفر دميان­ الكشح)

لذا رفع البابا توصيته للرئيس والتي ألقي فيها باللوم علي الأجهزة الأمنية والتنفيذية، وتقصيرها في حماية الأقباط، رافضا جلسات الصلح العرفية التي عقدت، واختتم خطابه بالإشارة إلي خطورة ما حدث علي الوحدة الوطنية ونسيج الأمة (المسلمين والمسيحيين) وأنه بات يشكو لربه ويثق في عدل الرب بعد أن تخلت الدولة عن دورها في حماية الأقباط.وحتي لا تحسب هذه التوصية باعتبارها تخليا من البابا عن سماحته المعهودة، شرعت الكنيسة في تشكيل لجنة كنسية تابعة للمجمع المقدس، بهدف تعميق المشاركة الوطنية للأقباط، وبناء جيل قادر علي التفاعل والمشاركة السياسية.وفي تحليل هذه التطورات يري الكاتب والمفكر رفيق حبيب أن التغيير الذي طرأ علي لهجة البابا في التعامل مع النظام والدولة ليس جديدا، وأن هذه النبرة الغاضبة 'نسبيا' ظهرت في مرات سابقة في عهد الرئيس أنور السادات،

وإن كانت قد تصاعدت لأول مره في عهد الرئيس مبارك عقب أحداث العياط التي كشفت عن غضب شديد لدي البابا والأقباط.وأضاف 'حبيب': إن البابا لم يعد يتحمل غضب شعب الكنيسة، لاسيما في ظل مفارقات النظام الحاكم فبينما تطنطن مؤسسات الدولة بالتعديلات الدستورية وحق المواطنة وقعت أحداث العياط وما تلاها، لتؤكد أن النظام غير جاد في إيجاد حلول استراتيجية تمنع وقوع مثل هذه الأحداث الطائفية ومحاسبة المخطئ، الأمر الثاني أن قيادة الكنيسة فهمت أن الدعم السياسي والديني الذي تقدمه للنظام بلا ثمن!وجدد موقف المطالبين بضرورة بعد الكنيسة عن لعب دور سياسي حتي لا يتحول الأقباط إلي فئة طائفية داخل المجتمع المصري، مشيرا إلي أن هذا الدور بدا واضحا منذ قضية 'وفاء قسطنطين' وتأييد الرئيس مبارك في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في سبتمبر 2005، ومطالبته بالمشاركة السياسية وبحصة للأقباط في المجالس المنتخبة، وفي المقابل فإن حالة الفراغ السياسي التي تمر بها البلاد جعلت الأقباط يلتفون حول كنيستهم لحل مشاكلهم والتغلب علي جمود الحياة السياسية والحزبية ­مثلما لجأ المسلمون للجماعات الإسلامية وأيدوها بشدة لتلعب دورا سياسيا­ علي اعتبار أن الكنيسة هي المؤسسة الوحيدة في الدولة التي لا تسيطر عليها القوة التنفيذية، وقد قبلت الكنيسة بهذا الدور السياسي وكذلك قبل النظام الحاكم بها، بدليل استعانته بها في الكثير من المواقف السياسية.ل

كن المفكر جمال أسعد عبد الملاك أكد ل'الأسبوع' أن تشدد خطاب البابا في الفترة الأخيرة يعني إعادة النظر في شهر العسل بين الدولة والكنيسة بعد الضغوط التي تعرض لها البابا داخليا وخارجيا بشكل غير مسبوق، وأن هذه الضغوط دفعته لأخذ هذا الموقف المتشدد 'نسبيا'.وشكك 'أسعد' في النتائج المترتبة علي مشروع تشكيل لجان لتفعيل مشاركة الأقباط في العمل السياسي لأنه يظهر الكنيسة المصرية وكأنها دولة داخل دولة، ويمثل في الوقت نفسه تنازلا من قيادة الكنيسة للمنظمات التي تتحدث بلسان أقباط المهجر الذين ينفذون أجندة أمريكية تهدف إلي تقسيم طائفي تحت زعم الدفاع عن مشاكل الأقباط، مثلما فعلت في العراق ولبنان.وفجر 'أسعد' مفاجأة بالتأكيد علي أن هناك علاقة بين ما تعيشه مصر حاليا والدور الذي يلعبه أقباط المهجر، وأن هناك تنسيقا غير مباشر بين الكنيسة وأقباط المهجر، وأن هذه المنظمات تستخدم الكنيسة المصرية في تحقيق أهداف سياسية، ومن ثم فإن أزمة الاحتقان الطائفي سوف تظل قائمة علي أرض الواقع حتي لو انتهت واقعيا، وأن هذه التحركات الطائفية سوف ترسخ أكثر لعزلة الأقباط في المجتمع المصري، وأن الحل الواقعي يتطلب عودة الكنيسة إلي أداء دورها الروحي فقط، حتي لا تسقط المواطنة عن الأقباط، ويتحولوا في النهاية لمجرد رعايا للكنيسة، وأن يترسخ لدي القيادات الروحية أن مشاكل الأقباط هي في النهاية مشاكل مصريين، والدولة هي المسئول الوحيد عن إيجاد حلول لها

No comments: