Thursday, January 10, 2008

مصرع الزميلة الفاضلة رشا على على طريق مصر - اسماعيلية والاسعاف تركها تموت دون أن ينجدها



لمست زميلتنا الشابة رشا علي أحلامها بيديها.. كانت معنا هنا في مقر الجريدة أمس الأول، حضرت بملابسها الوقورة، قضت قرابة ٤ ساعات، وفي نهاية اليوم أخبرها عبدالحكيم الأسواني، نائب رئيس التحرير، أنه سيتم تعينها بعد شهرين، ظهرت الابتسامة علي وجه «رشا»، كادت تطير من الفرحة، لم تصدق وقالت بهدوء: «ياريس وأنا حضرت النهاردة علشان اعزمك وزمايلنا علي فرحي بعد أسبوعين.. ياه ده كتيير..تعيين وجواز»، ظهرت ابتسامة الأسواني بينما ظهرت الدموع في عيني «رشا».. ظن الجميع أنها دموع الفرحة.. فرحة التعيين والزواج..
ربما «رشا» وحدها كانت تشعر أن الفرحة لن تتم.. لن تستمع إلي زغاريد والدتها وشقيقاتها الثلاث وجيرانها في الإسماعيلية، كانت تشعر أنها لن ترتدي الفستان الأبيض.. متأكدة أنها لن تجمع أرشيفها الصحفي الذي كونته في «المصري اليوم» عبر ٣ سنوات..ولن تقف في نقابة الصحفيين وتقدم أوراقها :رشا علي..مواليد الإسماعيلية.. حاصلة علي ليسانس الآداب قسم إعلام دفعة ٢٠٠٣ بجامعة الزقازيق.
رشا حضرت أمس الأول إلي الجريدة وكأنها تودع رؤساءها وزملاءها.. تذكرت أول لقاء لها بالجريدة بعد أن طالعت في أبريل ٢٠٠٤ إعلانا عن طلب مراسلين.. استقلت سيارة «بيجو» واحتضنت أوراقها وبعض قصاصات الصحافة من صحف بالإسماعيلية.. التقت «الأسواني» :أنا اسمي رشا وخريجة من ٨ شهور واشتغلت في صحف وأنا طالبة و...و... يبتسم «الأسواني» ويقول بلهجته الصعيدية: خلاص يا بنتي إنت معانا من النهاردة.
تذكرت «رشا» كيف تلقت أسرتها الخبر وأصبحت ابنتهم صحفية في جورنال يومي..اليوم تبحث عن خبر في هيئة قناة السويس وغدًا تتابع تفاصيل جلسة محاكمة المتهمين في تفجيرات دهب وشرم الشيخ، وتتابع اجتماعات المجلس المحلي وأخبار الاعتصامات والإضرابات.
وقفت «رشا» أمس الأول في قسم المحافظات، أحضرت معها «حلويات» لزملائها، ودار حوار طويل: اكتبي يا رشا الأخبار اللي معاكي.. تمسك بالقلم والورقة وتكتب خبرًا يتنبأ ببعض مما ستواجهه بعد ساعات «اعترف محمد الشرقاوي وكيل وزارة الصحة بأن مرفق الإسعاف غير صالح للاستخدام وأنه تم تكهين ٥٢ سيارة ولولا تدخل اللواء عبدالجليل الفخراني، محافظ الإسماعيلية، لتوقف المرفق، لكنه اشتري سيارات جديدة وكان ذلك في جلسة المجلس المحلي بالمحافظة»
كتبت عن الإسعاف وودعت زملاءها في المحافظات ودخلت إلي قسم الحوادث ومعها أخبارا من زملائها المراسيلن: تفضلوا الأستاذ حكيم بعت لكم الشغل ده.. انطلقت رشا في طريقها إلي الإسماعيلية، وقفت علي بعد خطوات من الجريدة بصحبة الزميلة سماح منير واتصلت بـ«أمل عباس» مراسلة السويس: أنا اتعيّنت يا أمل في الدفعة الجديدة عقبالك وانتظرك في الفرح بعد أسبوعين.
دقائق وتلقت «رشا» اتصالا من عمها المحامي ثروت البدوي ٥٥ سنة: أيوه يا رشا أنا في القاهرة أنت فين.. ترد رشا: أنا في المصري.. يقول ثروت: خلاص نروح مع بعض في العربية ونتقابل في موقف عبود.. وفي الخامسة التقت رشا عمها واستقلت معه السيارة في طريقهما إلي الإسماعيلية.. أخبرت عمها بخبر التعيين واتصلت بوالدتها وشقيقاتها سوزان المعيدة بكلية العلوم وإيمان المحامية ودعاء حاصلة علي بكالوريوس تجارة ،أكدت لهن خبر التعيين.
وصلت السيارة إلي نقطة تحصيل الرسوم بطريق مصر ـ الإسماعيلية، وعلي بعد ٥ كيلو مترات، تسببت بقعة زيت في أن تختل عجلة القيادة في يد قائدها، قبل أن تنقلب عدة مرات وتردد رشا الشهادتين ـ كما يؤكد عمها بعد نقله للمستشفي ـ توقفت السيارات في الطريق واخرجوا رشا من السيارة، كانت في حالة سيئة جدًا.. الدماء تنزف منها بشدة..
لا تتحرك أو تنطق بكلمات بعد الشهادتين.. حضرت سيارة الإسعاف وضعوا المصاب بداخلها ونظر المسعف إلي رشا: لأ دي بتموت مش هانقلها.. هذه سيارة الإسعاف التي كتبت عنها رشا قبل ساعات.. كتبت ولا تعلم أنها ستلفظ أنفاسها بجوار إحدي هذه السيارات ولم تتوقع أن يكون المسعف بكل هذه القسوة.
رشا ماتت وتركت الحزن والحسرة في قلوب أسرتها بالإسماعيلية وبقلوب أسرتها الثانية بـ«المصري اليوم».. رحلت رشا وهي علي بعد خطوات من تعيينها..و علي بعد خطوات من فستان زفافها.. استقرت بين يدي ربها.. بعيدًا عن أحلام لمستها فقط.

No comments: