Sunday, February 17, 2008

مخاوف في مصر من فتح أبواب الأزهر للطلاب الشيعة





أثار قرار شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي قبول الطلبة الشيعة للدراسة في المعاهد والكليات الأزهرية حالة من الجدل في مصر حول أسبابه وتوابعه، وما قد يثيره من معارضة الأزهريين والسلفيين.

ففي حين اعتبره المعارضون مؤشرا لترويج المذهب الشيعي داخل مصر التي تعتنق أغلبيتها العظمى المذهب السني وحذروا من تداعياته، أكد الكاتب المرموق فهمي هويدي أن وجود طلبة شيعة داخل أشهر وأكبر جامعة سنية في العالم الاسلامي، ليس جديدا ولا ينطوي على أي تبشير عقائدي.


وكان الشيخ طنطاوي قرر قبول التحاق الطلبة الشيعة، لأول مرة منذ الغى صلاح الدين الأيوبي في القرن السادس الهجري تدريس علوم الشيعة به. ويأتي قرار طنطاوي بعد لقاء جمعه مؤخرا مع الشيخ علي الأمين مفتي الشيعة في صور بجنوب لبنان الذي طلب منه فتح أبواب معاهد وكليات الأزهر أمام الطلاب اللبنانيين الشيعة.


تدريس المذهب الجعفري

وعلق فهمي هويدي في تصريح لـ "العربية نت" بأن "تدريس المذهب الجعفري الاثنا عشري في الأزهر كان موجودا في الماضي في اطار دراسات الفقه المقارن، وبالتالي يبدو قرار الشيخ طنطاوي ليس جديدا تماما، أما إذا كان المقصود التوسع في قبول الطلبة الشيعة فهذا موضوع آخر".

وشدد على أن قرارا كهذا ليس الهدف منه التبشير للمذهب الشيعي أو التفصيل فيه، وإنما الأمر أكاديمي بحت لتوسيع دراسة مجالات المقارنة بين المذاهب الاسلامية المختلفة.

وأشار إلى أن ايران (أكبر دولة شيعية في المنطقة) حريصة على توثيق علاقتها مع الأزهر كأكبر مرجعية سنية، وأي مسؤول منها يزور مصر يحرص على مقابلة شيخ الأزهر، وهذا يعني وجود اهتمام عندهم بتوثيق العلاقة مع هذه المؤسسة الدينية.

وحول الدعم الذي سيلقاه مشروع التقريب بين المذهبين السني والشيعي من خطوة الأزهر هذه، يرى هويدي أن المسألة سياسية وليست مذهبية، فدائما الخلافات السياسية هي التي تفجر المشاكل بين السنة والشيعة.

ويتابع بقوله "نظريا من الممكن أن يستفيد التقريب من خلال معرفة أهل كل من المذهبين بالآخر، ومع هذا فهناك فرق بين المعرفة وبين التقريب، وفي الأخير فان الذي يباعد هو السياسة وليس المذهب".


فرع للأزهر في طهران

وجاء هذا التطور بعد وقت قصير من موافقة شيخ الأزهر على ارسال أساتذة للدراسة في الفروع الفقهية بالجامعات الايرانية، وانشاء كلية أزهرية في طهران، وتبادل المناهج الدراسية والكتب بين الجانبين، والسماح لأساتذة ايرانيين بالقاء محاضرات في كليات جامعة الأزهر.

وعقد طنطاوي عدة لقاءات في الأيام الماضية مع مسؤولين ايرانيين زاروا مصر، منهم على لاريجاني مستشار الثورة الايرانية وغلام عادل رئيس البرلمان. وقال شيخ الأزهر "لا يوجد خلاف بين السنة والشيعة في الأصول والثوابت التي يقوم عليها الاسلام، ونحن في الأصل نقوم بتدريس جميع المذاهب الفقهية في جامعة الأزهر ما فيها المذهب الشيعي".

لكن فهمي هويدي استبعد إنشاء كلية تابعة لجامعة الأزهر في طهران وقال لـ "العربية نت": "هذا موضوع يجب التحقق منه. أنا عندي شك في هذه المعلومة، فماذا ستفعل كلية أزهرية هناك، هل ستدرس المذهب السني؟".


قلق من تشيع أزهريين

في المقابل يخوف أزهريون من أن يتشيع بعض أساتذة الأزهر الذي سينتدبون للفرع المقترح في طهران، لأن هناك عوامل أخرى تتحكم في ارسال هؤلاء إلى الخارج غير الكفاءة، مثل الواسطة على سبيل المثال، وفي حالة حدوث ذلك سيشكل وجودهم داخل المؤسسة الأزهرية بعد عودتهم خطورة كبيرة على حد قولهم.

ويبني هؤلاء مخاوفهم على التلميحات والتصريحات الشيعية المستمرة المطالبة باستعادة "الأزهر الفاطمي"، مشيرين إلى "أن الفتوى التي أصدرها شيخ الأزهر الراحل محمود شلتوت في خمسينات القرن الماضي بجواز التعبد على المذهب الجعفري، الغاها الشيخ عبد الرحمن بيصار في السبعينات بعد وصول الثورة الاسلامية في ايران وخلافاتها السياسية مع الرئيس أنور السادات".

ويضيفون "بالفعل يتم تدريس المذهب الجعفري في اطار المقارنة بين المذاهب الفقهية، ولكن هذا يقتصر على الطلبة السنة فقط ولم يكن هناك وجود للطلبة الشيعة، ومن ثم فهذا القرار يعتبر جديدا تماما لأنه سيعني وجود فرع للفقه الشيعي داخل الأزهر مستقلا عن الفقه المقارن".


زيجات وحسينيات

ويرى المعارضون للقرار أن "خلفيته السياسية المتوقعة قد يترتب عليه اتفاقيات والتحاق كثير من الطلبة الشيعة خصوصا من ايران ولبنان والعراق ودول الخليج، وقد يكون في التفاصيل تدريس مناهج شيعية واستقدام أساتذة متخصصين فيها من هذه الدول، بما يعني خلق بيئة علمية شيعية تترتب عليها علاقات اجتماعية ودينية متشعبة مثل الزواج وانشاء حسينيات، خاصة أنه تتوفر بيئة سابقة في مصر من العراقيين الوافدين الذين أصبح لهم مجتمعهم واقتصادهم ومطالبهم الدينية، ويتطلعون لأن يجد أبناءهم فرصة لدراسة مذهبهم داخل الأزهر بمعاهده وكلياته".

ويتخوف هؤلاء المعارضون "من أن يساهم القرار في رواج التبشير الشيعي، خصوصا أنه في اكثر من مرة سابقا أعلنت الجهات الأمنية عن ضبط تنظيمات شيعية، كانت تضم طلبة عراقيين وخليجيين وغيرهم يدرسون في مصر".

ويتفق خبير الجماعات الاسلامية د.كمال حبيب مع فهمي هويدي بشأن عدم وجود أي مخاوف على المدى القريب أو البعيد "فالأزهر محصن بعلمائه كمؤسسة علمية سنية كبرى، فليس المذهب السني ضعيفا حتى يخشى البعض عليه إلى هذا الحد".

ويقول لـ"العربية نت": لا أعلم أن شروط الالتحاق بالأزهر تنص على اعتبارات مذهبية. الكلام عن عدم وجود شيعة يدرسون فيه غير دقيق، فلا يزال الأزهر يعترف بالمذهب الجعفري كمذهب فقهي للعبادات.

وتابع قائلا "المعروف أن الطلبة الشيعة في لبنان والعراق وبعض دول الخليج لهم مدارسهم في كربلاء وقم، فالمسألة إذاً مرتبطة بهم وليس بوجود أي منع سابق لالتحاقهم بالأزهر، لأنهم لا يفكرون في دراسة مذهبهم فيه، ومن ثم فالأمر قد يكون جزءا من مسألة انفتاح مرتبط بالتطورات السياسية".

وكان د. محمد حسن زماني، المستشار الثقافي بالسفارة الإيرانية بالقاهرة، قال في تصريحات سابقة "علي الأزهر أن يتسع ليشمل كل العالم الإسلامي، وبالأخص ليشمل إيران لأنه يتميز بالتوسط والاعتدال".وأضاف "سنقوم بإنشاء كلية أزهرية في طهران، على أن يتم إرسال أساتذة الأزهر للتدريس بها، ويتم فيها تدريس كتب ومناهج الأزهر، إضافة إلى أننا سنرسل إليكم كتبنا ومناهجنا الدراسية، للاستفادة بها، وكذلك أساتذة من إيران، لإلقاء محاضرات في كليات جامعة الأزهر".


آفاق جديدة للحوار

ويشكك الناشط الشيعي المصري محمد الدريني رئيس جمعية رعاية آل البيت بالقاهرة في كون الأزهر يقوم بالفعل بتدريس المذهب الجعفري، مبررا ذلك "باعلانه الآن فقط قبول الطلبة الشيعة".

لكنه اعتبر في تصريحات لـ "العربية نت" أن قبول الشيعة لدراسة المذاهب السنية أمرا طيبا، وقال "هذه الخطوة في حد ذاتها ستفتح آفاقا جديدة للحوار بين المذهبين، وتساهم في تلاقح الأفكار بينهما".

أضاف "إذا كانت هناك نوايا صادقة فسوف يتم تبادل الدراسة بين الأزهر وقم، وهذا بدوره سوف يؤسس لوضع جديد نتمنى أن يضع في اعتباره سيرة الأوائل من رواد التقريب، خاصة دور شخصيات أزهرية وايرانية في مطلع الخمسينات من القرن الماضي".

وطرح الدريني تساؤلات عن هوية الأساتذة الذين سيتولون تدريس المذهب الجعفري للطلبة شيعة في الأزهر، وقال "يقيني أن ذلك سيستلزم الاستعانة بعلماء من نفس المذهب، و لا تتوفر الجامعة الأزهرية على هؤلاء، ومن ثم سيتم الاستعانة بهم من ايران والعراق ولبنان، ليناسب طلابا تعودوا في حوزاتهم على علم غزير ومناقشات وعلوم متنوعة تتطلب كادرا ملما بكل تفاصيل المذهب الشيعي".

ويشير إلى الأصل في اعداد الكادر الدعوي الشيعي أن يدرس أيضا المذاهب السنية إلى جانب الشيعية، وهذا معتمد في الحوزات العلمية كحصيلة علمية لابد منها، ويتجاوز ذلك إلى دراسة علم النفس والعلوم الاقتصادية ودراسات أخرى يعتبرونها ضرورية ولازمة.

ويعتبر الدريني أن هناك دورا للمؤسسة الدينية في مصر للتمهيد للقرار السياسي، وبالتالي لا يعزل قرار الأزهر عن التحركات الحالية لاعادة العلاقات بين مصر وايران، تلبية لمتطلبات الأمن القومي في الدولتين التي تستند على مظلة دينية، على حد قوله. كما توقع انشاء فرع لجامعة الأزهر في ايران "لأن الأخيرة تسعى جاهدة لذلك، ومن خلال التشاور والحوارات مع مصر سيتم اختيار طبيعة مناهجها، خصوصا بشأن نقاط خلافية بعينها بين المذهبين، لكن الشيء الطيب أن ينطلقوا من نقاط الاتفاق".

No comments: